فتوى شرعية حول حكم التجمعات أوان انتشار وباء كرونا (covid 19)

فتوى شرعية حول حكم التجمعات أوان انتشار وباء كرونا (covid 19)، تحمُّل المسؤولية كاملة وتحميلها كاملة:
أشهِد الله تعالى أني أتحمَّل في هذه الفتوى مسؤوليتي الشرعية كاملةً، وأحمّلها للكلّ كاملة، وأقول:
كنتُ كامل الأيام الماضية، أبحثُ وأحقق وأتثبت، وأحاول التعرف على حقيقة الوباء، وباء كرورنا، ولقد مررتُ بمراحل لا شك أنَّ كلَّ من عرف مسار العلم يمرُّ بها؛ منها: مرحلة الشك، ثم التثبت، ثم التحقق، ثم اليقين.
ومن جملة ما فعلتُ أني استمعت لعدد كبير من الأطباء، والمتخصصين في الأوبئة، واستمعتُ إلى مواقف دولٍ كثيرة، في قارات العالم أجمع؛ ولقد انتهيت إلى هذه الفتوى، وهي بالنص الصريح:
يحرُم شرعا أيُّ تجمُّع، قد يكون سببا لإصابة أحدٍ بالوباء، ومَن تعمَّد تنظيم تجمُّع وهو يعلم خطَر ذلك، ثم كان سببا لإصابة أحدٍ أو أكثرَ، كان في حكم "القاتل قتلا شبه العمد"؛ وقد تترتب عليه أحكام أخرى كثيرة، يعرفها من يدرك أحكام الشرع الحنيف في قتل النفس المؤمنة.
ثم إني هاتفت وراسلت العديدَ من الناس، من الخاصَّة، ومن العامَّة؛ وهالني وأفزعني التردُّد، والتأخُّر، وعدم الحزم، وعدم تحمل المسؤولية كاملة أمام الله سبحانه، وأمام الناس...
وأورد هذه الملاحظة بالنسبة للجزائر قاطبة، وأخص بالذكر وادي ميزاب، وقد بدا لي أنَّ من حمَّله الله تعالى مسؤولية إصدار أحكام الشريعة (الفقهاء، العزابة)، ومن حمَّله واجب إنزالها إلى واقع الناس (الأعيان، والمسؤولين)... بدا لي أنَّ الكثير منهم مرتبك، ينتظر من يَسنده في حكمه؛ ولقد انبرى عددٌ من الأطباء عبر العالم، ومنهم أطباء من أبناء ميزاب، فبينوا أن لا شيء يمنع انتشار الوباء إلا منعُ التجمع، مهما كان مبرره ودافعه؛ وأذكر هنا للتمثيل لا للحصر، الدكتورين الصديقين: محمد جلمامي حاني، وطه مرغوب... وآخرين.
ولقد تعجبت أنَّ النساء في البلد - مثلا - يُقمن تجمعات "أنفاش" ليرحفظ الله الناس من الوباء، وأنَّ بعض البرامج لم تتوقف، بل وحتى المساجد والمصليات لم يتخذ في شأنها حكمٌ صريح... وهذا تضييع لحقوق الناس، فيه تعريض حياتهم للخطر شبه المؤكد؛ لا يبرره شرع ولا عقل، ولا دين ولا علم.
ونحن نعلم أنَّ الله تعالى قال في محكم تنزيله: "من قتل نفسا بغير نفس أو فسادٍ في الارض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن احياها فكأنما أحيى الناس جميعا".
وفي الحديث الشريف: "لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم"؟
الفتوى ملزمة لكل مسؤول (سياسي، ديني، اجتماعي، علمي، تربوي...)، ولكل من حمَّله الله تعالى أمانة البلاد والعباد، ولكل إنسان مهما كان بسيطا أو من عامة الناس...

ولا بدَّ أن نقول بوضوح:
إذا كانت سويسرا، مع ما لها من وسائل وإمكانات، سجَّلت في يومٍ واحد أكثر من ألف حالة، فإننا لسنا في مأمن من أنه بعد العطلة الربيعية، أو خلال أيام قليلة، لا قدر الله، إذا لم نتخذ التدابير اللازمة، ولم نحرّم التجمعات (أعراس، حفلات، تجمعات..) فإننا سننتهي لا محالة إلى مدن ومناطق كاملة مُصابة بالوباء لا قدر الله، وحينها لا ينفع الندم... اللهم فاشهد أني قد بلغت وانذرتُ.

وإذا لم نتخذ إجراءات صارمة في حق من يأتي من الخارج (فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، الصين، أمريكا، الحج...) بأن يكونوا في حجرٍ صحي، لمدة أسبوعين، في بيت أو بستان مثلاً... كما يقرر العلم؛ فإنَّ المصائب ستنزل على المجتمع برمته، بسبب التضييع، والاعتبارات، والعقد النفسية... التي لم ينزل الله تعالى بها من سلطان.

ولقد ورد في حديث الرسول عليه السلام، ما يلائم أحكام الطب اليوم، حين الوباء، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم به (الطاعون) بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه" من هنا قال بعض العلماء إن السفر من وإلى أرض الوباء مكروه، وقد يكون حراما، إذا تحقق الضرر.

وحبنا لمن أصابه الله تعالى فوق كل اعتبار، ولا مجال للإهانة أو التضييع أو التنقيص من حق أحد.

ولا ريب أنَّ الناس في بلدنا - لله الحمد - مؤمنون، يمتثلون للفتوى والحكم الشرعي، أكثر من امتثالهم لأي قرار أو أمر يصدر من الطب، أو السياسة، أو الإدارة، أو الإعلام... أو غيرها.
فليتحمل الفقيه مسؤوليته التي حمله الله إياها، كاملة غير منقوصة... والرائد لا يكذب أهله.

ثم إني أرفض رفضا قاطعا أن توظف هذه الفتوى في ضرب عالم من العلماء، أو التنقيص من قدر هيئة من الهيئات؛ ولا أعتقد التعميم في الحكم، وبالتالي أشكر كلَّ من بادر، وسارع، ووقف على الثغور من إخوتنا، وأساتذتنا، ومشايخنا، وأطبائنا، وممرضينا... ومن أنفق من ماله، أو جهده، أو علمه... ولقد تعين واجب الإنفاق، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

هذا أوان التصريح، ولا مجال للتلميح حين تكون أرواح الناس هي المهددة...
والله أعلم
-----------------------
قتل شبه العمد: ورد في النص مصطلح قتل شبه العمد، وخشيت أن يكون الكثير لا يعرف صورته، ولا يدرك حكمه، أقول والله أعلم: قتل شبه العمد كبيرة من كبائر الذنوب، وفيه اعتداء على النفس المعصومة بغير وجه حق، ويفتى فيه بالدية على العاقلة لا على القاتل.
صورته المبسطة: أن يضرب أحد شخصاً في غير مقتلٍ بآلة ليس من عادتها أن تقتل، مثل عصا أو حجارة صغيرة... أو حتى بيده. فالضرب مقصود، والقتل غير مقصود، لهذا سمّي شبه عمد. والفرق بينه وبين قتل العمد، هو: - شبه العمد ليس فيه قصاص، والعمد فيه قصاص - دية قتل العمد على القاتل ودية شبه العمد على العاقلة (أي جماعته الذين يتحملون عنه الدية، مثل العشيرة، والأقارب...) - شبه العمد عليه كفارة والعمد ليس عليه كفارة - دية العمد على الفور ودية شبه العمد مؤجلة غير حالَّة. والله أعلم.
بالنظر إلى هذا التفصيل، يكون من دعا الناس لتجمع، ثم تسبب في موت أحد، كان قاتلا شبه عمد؛ ولكن المصيبة إذا تسبب في إصابة العشرات أو المئات، ومات الكثير بسببه... ترى ما حكمه؟ نعجز عن إصدار الحكم لثقله وخطورته، ونخاف أن نقول: هو مما لا ترجى منه توبة.
-----------------------
إذا كان البيت الحرام - قبلتنا - قد وضع تحت قيد الحجر الصحّي، فما المانع من وضع مساجدنا في ذات الوضع، والنداء "الصلاة في الرحال"، وشريعتنا حكمة كلها، ومراعاة للمصالح الكبرى للإنسان بلا مواربة ولا تسويف.

*ملاحظة: أرجو السماع لفيديو الدكتور محمد جلمامي حاني بعد قراءة الفتوى. وأرجو قراءة البيان الصادر من الدكتورين محمد جلمامي حاني وطه مرغوب مكتوبا.

 د. محمد باباعمي

التعليقات

إضافة تعليق جديد