العلم والنّقطة

لماذا أتيتُ إلى المدرسة؟ سؤالٌ يجب أن يسأله كلُّ تلميذٍ مع نفسه.
لماذا يذهبُ أبنائي كلَّ يومٍ إلى المدرسة؟ سؤالٌ يجب أن يسأله كلُّ وليٍّ مع نفسه.
لماذا كلّ يوم هذا البُكورُ ... وهذا الجهدُ .. وهذه السّاعاتُ التي أقضيها في القسم؟
لماذا كلّ هذا التّعب والمثابرة والانهماك والانهاك؟
لماذا كلُّ هذا الحفظِ والمراجعةِ والتمارينِ والبحوث؟
لماذا كلّ هذه المصاريف والأتعاب؟
لا شكّ أنّ الهدفَ جليلٌ والغايةَ ساميةٌ .. نعم إنّه طلب العلم .. إنّه التّعلم .. إنّه الهروب من ظلام الجهل إلى نور العلم ..
هذا هو الهدف وهذه هي الغاية: أنّ نتعلّم كما فرض علينا دينُنا وأرشدنا نبيُّنا عليه الصّلاة والسّلام: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». أن نتكوّن تكوينًا جيدا ... أن نزدادَ علمًا كلَّ يوم وكلَّ حصّة .. أن نحبّ العلم حُبًّا جَـمًّا بكلِّ ذرّة من ذرّات أجسادنا حتى نعيشَ بالعلم ونعيشَ مع العلم .. أن نتعلّم ما يُفيدنا في ديننا ودُنيانا .. أن نتعلّم ما نُفيد به أنفسَنا وأهلَنا وبلادَنا وشعبَنا والنّاسَ أجمعين ..
هذا هو الهدفُ الجليلُ والغايةُ السّاميةُ أن نتعلّم ونبقى نتعلّم، ونرتقي في درجات العُلى والمجد ورضى ربّنا تعالى. وكفى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات}.
أمّا المدارسُ فهي وسائل .. أمّا الأدواتُ فهي وسائل .. أمّا الامتحاناتُ فهي وسائل .. أمّا النّقاطُ فهي مجرد وسائل ..
فإذا أُغلقتِ المدارسُ نبقى نتعلّم .. عن بعدٍ بالوسائل الحديثة .. أو تعلّما حرّا .. فالمهم أن نبقى نتعلّم.
وإذا غابت الأدواتُ أو تطوّرت نستعمل ما تيسّرَ منها .. نكتب على الأوراق أو على الألواح البلاستيكية أو الخشبية أو الألواح الالكترونية .. فالمهم أن نبقى نتعلّم.
والامتحاناتُ سَتَـــتَكَرَّرُ كثيرا في مَسارِنا التّعليميّ .. فإذا نَجحنا فيها -وذلك ما نَبْغِي- فالحمد لله وحده... وإذا ما فشلنا في بعضها -لا قدّر الله- فلا بأس، سننجحُ في الامتحان الآتي.. فالامتحاناتُ وسائلٌ، والمهم أن نبقى نتعلّم.
جميلٌ أن نحرصَ على النّجاح .. جميلٌ أن نحرصَ على التّفوّق .. جميل أن نعملَ من أجل الحُصول على نِقاطٍ عالية ومُعدّلاتٍ عالية. ولكن من قال: إنّ النّجاح يُقاسُ بالنّقاط الجيّدة والمعدل المرتفع فقط؟. من قال: إنّ النّاجحين هم المتفوّقون فقط؟.
إنّ النّاجحين في الحياة، وإنّ المؤثّرين في الحياة، يختلفون في أشياء كثيرة، ولكنّهم جميعا يُحبّون العلم، ويحرصون على العلم والتّعلّم... قد يوجد في النّاجحين والمؤثّرين المتفوّقون أصحابُ النّقاطِ الجيدةِ والمُعدّلاتِ العالية، وقد يُوجد فيهم المتوسّطون أصحابُ النّقاط العادية والمعدّلات المتوسّطة، ولكن لا تَجِدْ فيهم إلاّ من يعرف قيمة العلم ... ويحبّ العلم ... ويحرص على العلم .. ويحرص على الازدياد من العلم دائما أبدا ..
باختصار: من كان هـمُّه العلمَ جاءتُه النّقاطُ بيُسر وسهولة .. وكان دائمًا في ازْدياد .. وكان العلم معه في جوانبِ حياته كلِّها ينفعه ويُوجَّــهُهُ ويُفيده.
ومن كان هـمُّه النّقاطَ فسيحصل عليها، وعلى الكثير منها رُبما ... ولكنّها ستبقى ذكرياتٌ على الأوراق، لا غير. {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب}.

الدكتور : نوّاسة يوسف

التعليقات

إضافة تعليق جديد